1
لماذا الحج ؟!!!! أ / خالد عثمان














لماذا الحج ؟!!!!

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.أما بعد:  هذه خاطرة حول حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،وهو حديث مشهور خاطرة حيرتني وأوقفتني فترة طويلة أمام الحديث أتفكر وأتدبر، الحديث رواه البخاري و مسلم وغيرهما: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال):بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً) ، الحديث مشهور جداً ومتفق عليه، ويحفظه تقريباً عامة المسلمين.فيا ترى ما هو الذي حيرني في هذا الحديث؟ تعالوا نفكر سوياً، فالإسلام صرح هائل وبناء عظيم ضخم، فيه عدد مهول من التشريعات والقوانين والأحكام، نظام حياة كامل، ودستور كامل ينظم معاملة المسلم مع ربه، ومعاملة المسلم مع أسرته وجيرانه وأقاربه وأصحابه، حتى مع أعدائه، بل مع كل الناس، الإسلام فيه تشريعات لا حصر لها، يتيه الإنسان في تدبر الكم الهائل من القوانين والأحكام في هذا الدين العظيم، هذا البناء الضخم هو الإسلام. لكن من كل هذه التشريعات اختار الله عز وجل خمسة أمور فقط، جعلها أساساً لهذا البناء الضخم، قال:(بني الإسلام على خمس) ، كل شيء بعد هذا يبنى فوق هذه الخمس، ولو واحدة من هذه الخمس وقعت وقع البناء الضخم كله.إلى الآن لا شيء محير، لكن المحير الآن أن يكون الحج هو أحد هذه الأعمدة التي يبنى فوقها الإسلام، لماذا الحج بالذات هو المحير؟ لأن الحج عبادة لا يكلف بها المسلم أو المسلمة إلا مرة واحدة في العمر، وفي حال الاستطاعة، يعني: الذي لا يستطيع لن يحج، وهناك ملايين من المسلمين على مرَ العصور لم يحجوا أصلاً؛ لعدم الاستطاعة، سواء كانت عدم استطاعة مالية أو صحية أو غيرذلك، وحتى الناس الذين حج كثير منهم يحج مرة واحدة في العمر، والإنسان يعيش ستين سنة أو سبعين سنة في المتوسط: (أعمار أمتي بين الستين والسبعين).إذاً: الواحد في هذا العمر الطويل لا ينفق في هذه العبادة إلا أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، أو قل: شهراً أو شهرين، والآن نسمع عن الحج السريع والحج الفاخر والمريح، فإنك تؤدي فريضة الحج في أسبوع بالكثير، تنزل في فندق عشرة نجوم، فتكون أقرب للحرم من أهل مكة نفسها، لكن المهم أن الموضوع كله بالقياس إلى عمر الإنسان في الأرض بسيط جداً، سواء كان حجاً سريعاً أو حجاً بطيئاً.فلماذا يختار الله عز وجل هذه العبادة العارضة في حياة المسلم ليجعلها أساساً لهذا الدين، وعموداً من أعمدة الإسلام، وليس مطلوباً منك هذه الفريضة إلا مرة واحدة في العمر وفي حال الاستطاعة! وإن لم تكن مستطيعاً فليس عليك شيء؟!الأمر ياأحبابي يحتاج إلى وقفة وتدبر، قلت: لا بد أن الحج يؤثر على حياة الإنسان بكاملها في الأرض، أي: هناك فوائد تتحقق في الحج وتغير من حياة المسلم الذي أدى هذه الفريضة، بحيث تكون هذه الزيارة العارضة لبيت الله الحرام سبباً في صلاح الفرد رجلاً كان أو امرأة، ومن ثم يستطيع تطبيق بقية شرائع الإسلام، ومن ثم أيضاً يصلح الحج؛ ليكون ركناً من الأركان التي يبنى عليها الإسلام قلت هذا الكلام، لكن واجهتني قضية أخرى، وهي:إن كان هذا صحيحاً في حق الحاج والحاجة فما بال أولئك الذين لم يستطيعوا الحج لأي عذر وهم ليسوا بالقليل؟ ولماذا يجعل الله عز وجل الحج من أساسات الإسلام الرئيسية، وهناك طائفة كبيرة جداً من المؤمنين لم يقوموا به مع كونهم مؤمنين؟ ومع كونهم راغبين فيه ومشتاقين إليه؟ قلت: من المؤكد أن هناك فائدة ما تعود على عموم الأمة سواء كانوا من الحجاج الذين يحجون كل سنة، أو من الحجاج الذين يحجون مرة واحدة فقط في العمر، أو حتى من الناس الذين لم يحجوا أصلاً ولن يستطيعوا أن يحجوا.من المؤكد أن الحج ليس للحجاج فقط، الحج يفيد الأمة كلها، ومن أجل هذا جعله الله ركناً أساسياً في بناء الإسلام،فيا ترى ما هي مقاصد الشريعة في موضوع الحج؟بمعنى:ما هي الغاية من الحج ؟وما هي الفوائد المتحققة منه؟!

منافع الحج

تعالوا نبحث ونفهم لماذا الله سبحانه وتعالى اختار الحج؛ لكي يكون من أعمدة الإسلام؟ ( وهذه مجرد خواطر) وجدت آية في كتاب الله عز وجل تقول:  وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ  [الحج:27-28].الحج فيه كما قال الله عز وجل:       ( منافع )، وكلمة منافع كلمة شاملة عامة، لا أعتقد أنها تقتصر على المنافع التجارية والمالية فقط، فبعض المفسرين والدعاة يقصرون كلمة المنافع على التجارة، فعندما تذهب لتحج يمكنك أن تقوم ببعض الفوائد التجارية، فتشتري من التجار هناك وتبيع، يعني: أمور التجارة بصفة عامة، لكن الحقيقة قصر المنافع على التجارة فقط فيه تحديد غير مقبول للنص، وفيه تجن شديد على هذه الكلمة العامة الشاملة، وبالذات في هذا الزمان الذي نعيش فيه، فرزق المسلمين هناك من البترول في يوم أو يومين يعادل تجارة الحج كلها، وبالذات لو أخذت في الاعتبار أن المنفعة الحقيقية في تجارة الأيام هي هذه، فإنها تعود للصين وهونغ كونغ واليابان ولا تعود لبلاد المسلمين. ......






الحج يربي لين الجانب وهدوء النفس وترك الجدال:

الحج يعلمنا لين الجانب وهدوء النفس وترك الجدال، قال تعالى:  فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ  [البقرة:197]، فلو أن الأمة تربت على أنها تكظم غيظها وتصلح ذات بينها، وتتجنب الجدال فهذا والله لسبيل واضح من سبل النصر والتمكين. 








التذكير بالحرب الدائمة مع الشيطان عند رمي الجمرات:

التذكير بالحرب الدائمة مع الشيطان عند رمي الجمرات، فالحرب قديمة قدم خلق البشر، والحرب الباقية بقاء الدنيا:  إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا  [فاطر:6]، تذكير للمؤمنين بعدوهم القديم والأكبر، بعدوهم الذي يعد لهم كل يوم ألف عدة، ويغفل عنه كثير من المسلمين، فالحج تنبيه من هذه الغفلة وإيقاظ للأمة بكاملها، نسأل الله عز وجل أن ينصرنا عليه في كل الميادين. 




الحج يرسخ كل معاني التضحية في قلوب الحجاج:

الحج يرسخ كل معاني التضحية في قلوب الحجاج، فالتضحية بالمال، إذ إنه يجمع الأموال الكثيرة ليؤدي فريضة الله عز وجل، والتضحية بالوقت الطويل، والتضحية بالجهد، والتضحية بمتع الحياة المختلفة، ولن ينصر هذه الأمة إلا من تدرب على التضحية بكل معانيها، تضحية بكل شيء في سبيل إعلاء كلمة الله عز وجل، والحج من أعظم المدارس في ذلك. 



عودة الحاج إلى الله واستمراره على الطاعة بعد الحج:

المسلم بعد الحج يفتح صفحة جديدة تماماً مع الله عز وجل، فالحاج يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، مهما كان ارتكب من المعاصي قبل ذلك، وهذا يعطي أملاً كبيراً لكثير من عصاة الأمة، فإن كثيراً من المسلمين لا يلتزم بهذا الدين؛ من شدة إحباطه ويأسه لكثرة ذنوبه، تاريخه تاريخ طويل مع المعاصي.فالحج يفتح صفحة جديدة للمسلمين، ولا شك أن هذا سيكون له انعكاس على الأمة الإسلامية بأسرها؛ لأنك في كل يوم وفي كل سنة ستكسب أفراداً جدداً يضافون إلى قوة وطاقة الأمة الإسلامية. 



الحج يربي الحجاج ويربي الأمة كلها على الاتباع:

الحج يربي الحجاج، ويربي الأمة كلها على اتباع أوامر الله عز وجل دونما جدل ولا اعتراض، فلا يشترط المؤمن معرفة الحكمة كي يتبع أمر الله عز وجل، لماذا الطواف؟ لماذا هو سبع مرات؟ لماذا تقبيل الحجر؟ لماذا الحلق؟ لماذا هيئة اللباس هكذا؟ لماذا الرمي بتسع وأربعين حصوة أو سبعين حصوة؟ فهذه تفاصيل قد لا تجد إجابة عن معظمها، المقصود فيها: أن تقول سمعنا وأطعنا، فالواجب عليك عندما تعود من الحج وكذلك بقية الأمة المؤمنة بالحج أن تتعلم أن تقول: سمعنا وأطعنا لكل أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى، فإن قال لك: اترك الربا فقل: سمعاً وطاعة، وإن قال: اترك الرشوة فقل: سمعاً وطاعة، اترك الغيبة قل: سمعاً وطاعة، اترك الموالاة للكافر قل: سمعاً وطاعة، وهكذا مع كل أوامر الإسلام، ولو زُرعت النقطة هذه في قلوب المسلمين فالحمد لله، هذه هي نجاة الدنيا ونجاة الآخرة. 



الحج يذكر الأمة بيوم القيامة:

إذاً: تعالوا نفكر في منافع الحج الرئيسية.الحقيقة أنا أعتقد أن أهم منفعة في الحج هي أنه يذكر الأمة كلها ليس الحجاج فقط بيوم القيامة، فالشبه كبير جداً بين الحج وبين يوم القيامة، فالحج يمر بأكثر من موقف يذكر بيوم القيامة، فإن الحاج يعود فيحكي لكل الناس هذه المواقف، فيتذكر الناس جميعاً يوم القيامة، ولن تجد أحداً في الأمة كلها لا يعرف حاجاً أو أكثر حجوا وعادوا يحكون عن حجهم، وربنا سبحانه وتعالى ألقى محبة الحج في قلوب كل المسلمين، فتجد معظم المسلمين عندهم حرص شديد على أن يحجوا، وعندهم حرص شديد على أن يودعوا الحجاج وهم ذاهبون للحج، وعندهم حرص شديد على أن يستقبلوا الحجاج ويزوروهم ويسمعوا منهم، ويكون فعلاً موسم الحج موسم تذكير بمنافع الحج للأمة كلها وليس فقط للحجاج.فمن أهم المنافع كما قلنا تذكير الأمة بيوم القيامة، قبل أن نقول: ما هو وجه الشبه بين الحج وبين يوم القيامة؟ لا بد أن نقول: إن معظم الفساد والمعاصي والضلال الذي يحصل في الأرض؛ يحصل لأن الناس نسوا أن هناك يوماً اسمه يوم القيامة، أو أن هناك يوماً اسمه يوم الحساب، سيحاسب فيه كل واحد على كل عمل عمله في الدنيا، منذ أول لحظة من لحظات التكليف إلى لحظة الموت، قال تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ  [ص:26]، لماذا ما هو سبب الضلال؟  بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ  [ص:26]، فنسيان يوم الحساب كارثة ومصيبة، ولو أن الناس تذكروه لحلوا كل مشاكل الأرض؛ لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم من أول يوم نادى فيه بدعوته في مكة ذكر بهذا اليوم قال: (والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن على ما تعملون، وإنها لجنة أبداً، أو نار أبداً).فبالله عليك لو كنت تتذكر يوم الحساب فعلاً هل سيصير حالك هو حالك المعهود، أم أنك ستعيد النظر في ألف موقف مر بك؟ فالحج صدمة كبيرة تفيق الأمة كلها بسببه، وتوقظها من النوم وتذكرها بالذي نسيته كثيراً، فلو أن واحداً تذكر أنه سيحاسب هل سيرتشي؟ هل سيظلم؟ هي سيسرق؟ هل سيختلس؟ هل سيعق والديه؟ هي سيتعدى على حقوق زوجته أو أولاده أو جيرانه أو أصحابه أو حتى الناس الذين لا يعرفهم؟ لا أعتقد أنه سيفعل ذلك إذا كان عنده يقين بيوم الحساب، فصلاح الأرض في تذكر يوم الحساب.الحج تذكرة علنية واضحة صريحة قوية لكل المسلمين أن هناك يوماً سنرجع فيه إلى الله، وكأن الحج يقول: استيقظ يا مسلم! استيقظ يا مؤمن! لا توجد لحظة في حياتك إلا وهي تسجل:  إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29].كيف يذكرنا الحج بيوم الحساب؟ سبحان الله! من أول يوم فكرت فيه أن تحج والحج يذكرك بيوم الحساب: أولاً: كل مسلم يريد الحج يجمع النقود على النقود حتى يجمع نقود الحج، ويتحرى الحلال في كل ما يجمع، ثم يذهب ينفق على الحج فيدفع عشرة آلاف مثلاً، أو خمسة عشر ألفاً مثلاً، أو عشرين ألفاً أو أكثر، فالعملة كما ترون مستمرة في الزيادة، والموقف يتأزم. فالحاج يدفع كل ذلك وهو راض سعيد، وينفق كل هذه النفقة في سبيل الله، وقد لا يستطيع جمع هذا المبلغ إلا بمشقة بالغة ينفقه وهو سعيد؛ لأنه سيؤدي فريضة الله سبحانه وتعالى، وسيهاجر إلى الله سبحانه وتعالى، وسيرجع إلى الله سبحانه وتعالى، وانتبه للكلمة التي يقولها الحاج من ساعة خروجه للحج إلى حين عودته، يقول: لبيك اللهم لبيك. أي: راجع إليك يا ربنا! ذاهب إليك يا ربنا!وكذلك فإن الذي سيذهب للحج يبدأ في استرضاء كل الناس الذين يعرفهم، وكان بينه وبينهم خلاف أو نزاع، فيقول: يا ترى هل هناك أحد أخطأت في حقه فأعتذر له؟ يا ترى هل هناك حق عندي لأحد فأرجعه إلى أصحابه؟ يا ترى هل هناك ديون علي فأسددها قبل أن أحج؟ فالحاج يا إخواني! كأنه يستعد تماماً ليوم الحساب، يجمع زوجته وأولاده ويوصيهم ويذكرهم ويعلمهم، فيقول: وأنا لست موجوداً اعملوا كذا كذا، ولو حصل كذا اعملوا كذا، فيتصرف وكأنه لن يعود، وحين يذهب للحج يخرج الناس ليودعوه أفواجاً كبيرة، فيتذكر الناس جميعاً أن هناك يوماً سيخرج الناس لتوديعه لكن من غير عودة، قال تعالى:  كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ  [آل عمران:185]، فيتذكر الحاج أو الحاجة كل هذا الكلام، ويتذكر الذين يودعونه أيضاً هذا الكلام، بل إن ملابس الحج بالنسبة للرجال تذكر الناس جميعاً بيوم القيامة؛ فلباس الحج يكون فيه عري نسبي للرجال، فأنت تكشف كتفك في الحج؛ لكي يذكرك بالعري الكامل يوم القيامة؛ ولكي تتذكر الصورة التي ستكون عليها يوم الحساب.روى البخاري و مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً، قلت: يا رسول الله! النساء والرجال جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض).وبعد أن تذهب إلى الحج تعيش في جو أشبه ما يكون بيوم القيامة، فالحاج والحاجة يحسان بهذا الجو، والأمة كلها تحس معهم بهذا الجو، وينسى الناس كلهم الدنيا تماماً، فلا يوجد الآن إلا عبادة وطاعة واستغفار ودعاء ورجاء لله عز وجل، الناس جميعاً في الحج وقوف وفي زحام شديد، وكلهم واقفون في مكان واحد، وهكذا يحشر الناس في مكان واحد يوم القيامة، إذ ينادي عليهم المنادي: هلموا إلى ربكم -يا رب سلّم- فيقوم كل الناس لرب العالمين، قال تعالى:  يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا  [طه:108]، فكل الناس وقوف في الحج وكل الناس وقوف يوم القيامة، قال تعالى:  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ  [الصافات:24].والناس في الحج في حر وعرق شديدين، وكذلك يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، جاء في البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم)، يا لطيف! يا رب سلم! والأمر لا يقتصر على ساعة أو ساعتين، بل إن الأمر شاق، والسفر طويل، كما أن الحج هو العبادة الوحيدة التي يتفرغ لها المسلم أياماً متتالية.وكذلك يوم القيامة يوم طويل، قال تعالى:  إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا  [الإنسان:10]، ففي بعض التفسيرات أن اليوم القمطرير: هو اليوم الطويل.قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: مائة سنة، وقال كعب: بل ثلاثمائة سنة، وقال غيرهم: خمسون ألف سنة. فالمهم والمؤكد أنه يوم طويل عسير يحتاج إلى استعداد واهتمام وترتيب.وهناك أشياء أخرى كثيرة في الحج تذكرك بيوم القيامة، فالسعي بين الصفا والمروة يذكرك بالسعي يوم القيامة؛ قال تعالى:  يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ  [المعارج:43]، فالناس يوم القيامة يذهبون إلى آدم عليه السلام، ثم يذهبون إلى نوح عليه السلام، ثم يذهبون إلى إبراهيم عليه السلام، ثم يذهبون إلى موسى عليه السلام، ثم يذهبون إلى عيسى عليه السلام، ثم يذهبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنت حين تذهب وترجع في الصفا والمروة تتذكر يوم القيامة الذي ستذهب فيه وتعود إلى الأنبياء، وتسألهم أن يشفعوا لك في أن يحاسب الناس، إما إلى جنة وإما إلى نار، حتى زيارتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت ليست من مناسك الحج الرئيسية إلا أن كل الحجاج يزورون رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الزيارة تذكرك أيضاً بأن الله سبحانه وتعالى سيجمعك في يوم ما مع الحبيب صلى الله عليه وسلم، فتسلم عليه وعلى أصحابه، وتصلي في الروضة الشريفة وهي من رياض الجنة، جو رائع جميل يخرجك تماماً من الدنيا، ويجعلك تعيش في الآخرة.كل حاج وحاجة يحكي عن الحج كل هذه المعاني، مهما تعب ومهما كان الحج عليه صعباً، يعود وهو يتمنى أن يعود للحج مرة أخرى، ويعود إلى البيت الحرام مرة أخرى، ويعود لعرفات مرة أخرى، كما أنه يتمنى أن يعود لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، وكل حاج أو حاجة ينقل كل هذه المعاني لكل من يعرف، والأمة كلها تعيش يوم القيامة كل سنة مرة، كما أن الأمة كلها ستعيش يوم القيامة الحقيقي بعد ذلك، فيا ترى لو أن الأمة تذكرت يوم القيامة بالصورة هذه، سيصير حالها بأي صورة؟ وسيصير وضعها بأي شكل؟ الآن بعدما رأينا العلاقة بين الحج ويوم القيامة نستطيع أن نفهم لماذا الله سبحانه وتعالى بدأ سورة الحج بالتذكير بيوم القيامة، قال تعالى:  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ  [الحج:1-2]، فالقرآن ليس فيه شيء عشوائي أبداً، كل كلمة فيه لها معنى، قال تعالى:  وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا  [النساء:82].كنت أستغرب وأقول: لماذا الله سبحانه وتعالى يبدأ سورة الحج بالتذكير بيوم القيامة بدلاً من التذكير بأهمية الحج؟! لكن بعد الذي قلناه عرفنا أن الله شرع الحج لكي يذكرنا بيوم القيامة، وليس الغرض من الحج أنك تكل وتتعب فيه لا، قال تعالى:  مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ  [النساء:147]، لكن الغرض هو مصلحتك في الدنيا وفي الآخرة، فلو تذكرت يوم القيامة لصلح كل شيء في حياتك، وفوق ذلك آخرتك .



المساواة بين طوائف المسلمين المختلفة:

المساواة بين طوائف المسلمين المختلفة، معنى في منتهى الروعة:  إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  [الحجرات:13]، فالكل سواسية كأسنان المشط، الغني بجوار الفقير، والحاكم بجوار المحكوم، والكبير بجوار الصغير، والمصري بجوار الباكستاني وبجوار النيجيري وبجوار الشيشاني وبجوار الفلسطيني، لا قبلية ولا عنصرية ولا اختلاف في الهيئة الخارجية ولا في المناسك ولا في المكان ولا في الزمان، الناس سواسية كأسنان المشط، معنى من أهم المعاني البنائية لأمة الإسلام. 



ترسيخ فكرة الأمة الواحدة عند المسلمين:

ترسيخ فكرة الأمة الواحدة عند المسلمين، فالحج مؤتمر إسلامي عالمي مهيب، يلتقي فيه المسلمون من كل أقطار الأرض، وهذا يزرع في المسلمين شعور الأمة الواحدة، وهذا بلا شك من أعظم منافع الحج، وبالذات في هذه الأزمان التي رأينا فيها التفكك الشديد بين المسلمين، نسأل الله عز وجل أن يوحد صفوف المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
هذه بعض فوائد ومعاني الحج ولن يحصيها فرد والله يعلم وأنتم لا تعلمون.



‏(سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىَ الْمُرْسَلِينَ * ‏وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِين)
خالد عثمان
مدرس الصف الرابع الابتدائي
( لغتي الجميلة)
مدرسة أجيال الخفجي الابتدائية الأهلية

1 التعليقات :

غير معرف يقول...

جزاك الله ألف خير على هذا العمل الطيب وكتبه الله في ميزان حسناتك إلى يوم الدين
زميلك /هاني زكي

إرسال تعليق

 
حقوق النشر محفوظة
مدارس أجيال الخفجي الأهلية © 2019 | عودة الى الاعلى
Designed by AJIAL SCHOOLS