جئنا جميعا لهذه الحياة و لم نكن نعرف سوى البكاء، لا نعلم أي شيء عن أي شيء في أي شيء.. و من تلك اللحظة بدأت لدينا رحلة التعلم و الإكتشاف و محاولة فهم العالَم من حولنا؛ و مَن كان ليصدق أن بشرا بهذا الحجم و الجهل يستطيع تعلّم لغة أهله في ظرف بضعة أشهر فقط؟ ! بل و يدرس شخصياتهم و ينجح في إخضاعهم لرغباته، ثم يكبر فتكبر معرفته، و يتسع وعاؤه، و يكتسب مهارات تمكنه من التواصل مع غيره و التعبير عن نفسه، فما أجمله من درس تُجسده لنا الحياة في أضعف المخلوقات..
إنه ذاك المخلوق الموهوب الذي إذا ما اجتمعت له الأسباب و لمسَتْ منه ذكاءه و فطنته عبّرت من خلاله عن حقيقتها و كُنهها في أجمل الصيغ، و متى غابت إحدى هذه الأسباب أو نقصت، غاب عن التعبير عنصر أو نقص منه.
كثيرا ما نقرأ أو نسمع عن أشخاص ناجحين.. وصلوا لما طمحوا إليه، فاعتلوا تلك المراتب بين الناس حتى صاروا مثلا يُضرب لكل نجاح؛ لو تأملنا قليلا في حياتهم و حاولنا دراسة أحوالهم لفاجأتنا حتما تلك الظروف و الأسباب التي بنوا عليها ذلك الإنجاز..أسبابٌ تبدو في ظاهرها أسبابا على أصحابها لا أسبابا لهم؛
فلم تكن أبدا حياتهم تلك الطريق الممهدة كما اعتقدنا، و لكن رغبتهم الشديدة في الوصول جعلت من كل أرض جرداء موطنا لتفجير الطاقات و من كل عثرة انطلاقة مشرقة و بداية جديدة تبشر باقتراب الوصول للطرف الآخر..
أذكر أنني قرأت قصة مزارع هولندي يدعى "فان كلويفرت" هاجر إلى جنوب إفريقيا للبحث عن حياة أفضل..باع كل ممتلكاته على أمل شراء أرض خصبة يحولها لمزعة ضخمة، لكنه اكتشف أنه دفع كل ماله في أرض جدباء غير صالحة للزراعة..بل و فوق ذلك كانت تعج بالعقارب و الأفاعي و الكوبرا القاذفة للسم و .. وبينما هو جالس يندب حظه خطرت بباله فكرة.. لماذا لا ينسى مسألة الزراعة برمتها ويستفيد من كثرة الأفاعي حوله لإنتاج مضادات السموم الطبيعية.. ولأن الأفاعي موجودة في كل مكان - ولأن ما من أحد غيره متخصص بهذا المجال - حقق نجاحا باهرا و قد تحولت مزرعته – اليوم - الى أكبر منتج للقاحات السموم في العالم !!
يقول كاتب القصة: هذه القصة علمتني شخصيا كيفية قلب الحظ السيئ إلى حظ جيد بمجرد تغيير الهدف (وتشغيل الدماغ) والتصالح مع الواقع .. وهي قصة أهديها لكل عاطل ومحبط تواجد في ظروف بائسة ووضع لم (يتخيل يوما) إمكانية تغييره .. فأحلامنا المحطمة سرعان ما تتحول إلى بدايات مختلفة وفرص غير متوقعة .. وما نكرهه اليوم سرعان ما يتحول لمصلحتنا غدا حسب قاعدة "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" (1) .. ولو تأملت أحوال الناجحين في الحياة لوجدت أن بداياتهم المتعثرة كانت نقطة انطلاقهم الحقيقية..
ليس بعيدا أن تكون ذكيا أو ذا موهبة فذة، و لكن متى ستجتمع لك الظروف لترى و يرى الناس ذلك؟
متى تنطلق حرا في سماء الإبداع، لتحول أحلامك حقيقة؟ و تمشي نحو النجاح بخطى وثيقة؟
اعلم رعاك الله أنك الواقف على الطريق، فقط كن حاذقا في اختيار الإتجاه..ثم سِر، و ليست تضيرك الحفر و الحصى و إن كثرت، فإن كانت الدنيا مليئة بالحجارة فلا تتعثر بها، بل ابن بها سلما تصعد به نحو النجاح..
و لا تجعل محاولاتك السابقة حَكَما لنجاحك أو فشلك، فإن أكبر الإنجازات تبدأ من أصعب البدايات، و إياك و التقليل من قدراتك و ثق أنك ستصل للطرف الآخر ما دمت تطلبه، فمن أدمن قرع الباب يوشك أن يُفتح له..
و إذا لقيت المصاعب و تصدت لك المتاعب و فشلت في المحاولة فقط تذكر..عندما كنت صغيرا .. كم سقطت من مرة قبل أن تتعلم المشي و كم تلعثمت قبل أن تدرك الكلام..
0 التعليقات :
إرسال تعليق